خواطر .. من وحي الأمومة

كثيرا ما أحسد صغيرتي على براءتها وعفويتها وطلباتها البسيطة في هذه الحياة فعلى الرغم من محاولاتها المستميتة لإعاقتي عن كتابة هذا المقال بصرخاتها وركلاتها المستمرة إلا إن طلباتها بسيطة ومشروعة فهي لا تطلب أكثر من تغيير الحفاض أو القليل من اللبن أو حتى الهدهدة أما نحن البالغين فسعينا وركضنا وراء متطلبات الحياة لا ينتهي ولا نشبع أبدًا فكلما حصلنا على شيء نسعى لشيء آخر وهكذا حتى يمضي بنا قطار الحياة لنجد أنفسنا نجري وراء سراب لن ندركه أبدًا.
(1)
أثناء أحداث غزة والحرب القذرة التي شنها الجيش الصهيوني على أطفال أبرياء وسيدات ثكالى وشيوخ عزل وأثناء متابعتي لهذه المحرقة على الفضائيات كنت أرى الأطفال وقد أصابتهم القنابل الفسفورية وقد أحرقتهم ومزقتهم لأشلاء واحتضن صغيرتي – حفظها الله - وقتها فقط شعرت بما تشعر به أي أم فلسطينية شعرت بالأمومة وشعرت بحسرة الأم التي لا تستطيع فعل شيء لأطفالها الذين يقتلون ويحرقون ويقطعون أمام أعينها وهي عاجزة. شعرت بألم وغصة شديدة أمام صور الأطفال المصابين وجثث الشهداء وحمدت الله تبارك وتعالى على معافاتي من هذا الابتلاء العظيم. وكلما فكرت وتخيلت يوم الحساب العظيم وسؤال الله عز وجل لي عن ما قدمته لإخواني وأخواتي في فلسطين حسدت صغيرتي لأنها لن تسأل عن هذا الأمر.
(2)
في منزلي وعند تراكم الأعباء المنزلية علي وهرولتي من هنا إلى هناك لإنهاء أي شيء من إعداد طعام وترتيب للمنزل وتنظيفه وغسيل لملابس لا تنتهي – بفعل تسريب الحفاضة اللعينة – وكي لملابس أخرى ، وتغيير حفاضات، وإطعام الصغيرة، وإنهائي لمهام وظيفتي التي أقوم بها من المنزل " أون لاين " أكاد أشعر بالجنون ووقتها أحسد صغيرتي التي تنظر لي وتبتسم على فراغها وعلى رفاهيتها الشديدة فهي لديها من يلبي كل احتياجاتها قبل أن تتعلم نطق ما تريد !!
(3)
عندما يحضر والدها من عمله ويسرع إليها ويحملها ويلاعبها ويقبلها ناسيًا الدنيا بما فيها ويظل يكلمها ويهدهدها طالبا مني إحضار الطعام دون سؤالي عن أحوالي أو ما فعلت في يومي المزدحم أحسد صغيرتي على هذا الاهتمام الغير مشروط بتحضير طعام أو غسيل ملابس وكيها أو ترتيب منزل ... إلخ
(4)
عندما تقرر صغيرتي الاستيقاظ الثانية صباحًا رافضة أي محاولات مني لتنويمها وتجبرني على الاستيقاظ معها لإسكاتها وتلبية رغبتها في الطعام أو تغيير الحفاض أو حملها ذهابا وإيابا حتى أشعر بالدوار .. وقتها أحسدها على رغبتها في الاستيقاظ في أي وقت شاءت ونومها في أي وقت أرادت.
ولكن ابتسامة منها تجعلني أنسى هذا الحقد البشري من الإنسان لأخيه الإنسان لاحتضنها وأقبلها وأضحي ببضع ساعات نوم.
صغيرتي .. حفظكي الله لي وراعاكي
ونهايةً: ليت الطفولة تعود يومًا !!
المشتاقة للعودة إلى الطفولة: علياء عبد الفتاح